الحب للأسف أحيانًا لا يحمل الدفء والمودة… بل ظل طويل يلاحقك بصمت، ويهمس في أذنك أن كل الأمان ممكن أن يكون وهمًا.
في ورد وشوكولاتة، لا نرى مجرد لقاء درامي رومانسي بين رجل وامرأة، بل رحلة في النفس البشرية، حيث تتشابك السيطرة بالحب، والانجذاب بالخوف، والجروح القديمة بالنقص العاطفي، والحاجة للبقاء النفسي.
في قلب هذه المتاهة نجد صلاح ومروة، محور كل الألم، كل القوة، وكل الحب المسموم، ومرآة لكل الشخصيات المحيطة بهما.
⸻
صلاح… خنجر مخفي تحت أناقة الحب:
صلاح ليس مجرد رجل عاشق، بل فنان التحكم في النفوس.
ابتسامة جذابة ومتغطرسة، نظرات خاطفة، كلمات محسوبة… كل مشهد أتقن ادائه وأبرع فيه.
مع زوجته الأولى وأهلها، هو اللاعب الذي يختبر حدود السيطرة: يزرع شعور النقص داخلها كأنثى، ويجعلها تعيش تحت هيمنته، كل كلمة وحركة منه محسوبة لتعزيز صورته الاجتماعية والمكانة المالية.
اما مع مروة، يظهر النمط نفسه، لكن بشكل أعنف ومتحرر من القيود: اختياره لها ليس حبًا، بل فرصة لإعادة صياغة السيطرة على روح جديدة. الضرب، التعالي والصراخ، والإجبار على الخضوع… كل هذا مغلف بأناقة الحب، لكنه خنجر مسموم يغرسه في أعماقها المهلهلة والمضطربة.
صلاح هو مثال حي للنرجسي العصري: جذاب، ذكي، يقيس الآخرين كأدوات، ويحول كل علاقة إلى ساحة للهيمنة، حتى الحب يبدو مجرد ستار يخفّي نواياه الحقيقية.
مروة… الورد الذي يأكله ويدمره شوكه:
مروة، الإعلامية الجريئة، الصاخبة الصوت، العشوائية في المظهر والكلام، تحمل داخليًا طفلة مشوهة منذ نشأتها الاولى .
أمام أمها المسيطرة، أخيها المدمن، ووالدها الغائب، تظهر هشاشتها، لكنها تبقى محاصرة، مشوهة داخلها، عاجزة عن حماية نفسها بالكامل.
جرح الطليق الذي خانها وزرع شعورًا داخليا بالنقص والخذلان .
تحاول حماية ابنتها، كمحاولة لمنع تكرار الألم.
في عملها، تظهر جانبًا آخر: ترند، فضائح، شوشرة، كل ذلك لإثبات وجودها أمام العالم، بينما داخليًا تحمل وجع كل الجروح القديمة.
اختيارها لصلاح كان استمرارًا لنمط الأذى: ضعفها أمام الحب يلتقي بالسيطرة النرجسية لصلاح، ليضيف طبقة جديدة من الألم تحت ستار الحب والأمان. الضرب، التهديد ، واستغلال حساسياتها النفسية يجعل العلاقة تجربة مؤلمة، تكرار للنشأة المشوهة داخل صراعها الداخلي.
⸻
الديناميكيات النفسية المحيطة
كل شخصية في محيطهما تضيف طبقة جديدة من الصراع:
• أمها المتسلطة ،صاحبة مروة الغيورة، الطليق السابق، وصاحب القناة… كلهم أدوات في لعبة السيطرة، أو مرآة لنقصها الداخلي.
• كل تفاعل، كل كلمة، كل ابتسامة، هي فرصة لإعادة تكرار الألم النفسي، أو اختبار الحدود الغير موجودة.
العلاقة بين مروة وصلاح تصبح مرآة لمن عاشوا ضعفًا في الحب أو نقصًا في الأمان. كل شخصية تعكس طبقة من الألم، السيطرة، أو الغيرة، ليصبح المسلسل دراسة نفسية متكاملة للعلاقات المختلة.
⸻
البعد الفلسفي والعلمي
سلوكيًا: كل تصرف هو استجابة للمحفزات. مروة تعلمت أن القوة تحميها، صلاح تعلم أن السيطرة تمنحه المكاسب، وأن النتيجة الملموسة هي ما يكرر السلوك .
معرفيًا: مروة صراع بين عقلها وقلبها؛ تعرف أن صلاح مؤذي، لكنها تعتقد داخليًا أنه الأمان. صلاح يعيش وفق اعتقادات نرجسية متجذرة: الآخرون أدوات لصالح صورته المثالية.
فلسفيًا: العلاقة تعكس صراع الحرية والاعتماد، الحب والسلطة. الإنسان غالبًا يكرر أنماط الألم التي يعرفها، ويبحث عن الأمان في أماكن قد تضاعف جروحه. الوعي بالنفس والقدرة على كسر الدائرة المسمومة هو الحرية الحقيقية.
⸻
الرسالة النفسية للمسلسل
ورد وشوكولاتة يعلّمنا:
• القوة الظاهرية لا تعني السلام الداخلي.
• الحب المعلن يمكن أن يكون غطاءً للسيطرة والأذى النفسي.
• النرجسية تتغذى على نقص الآخرين وفراغهم، لتخلق دائرة مستمرة من الألم والخيانة.
• مروة تعلمنا أن المرأة القوية يمكن أن تكون ضحية لتاريخها المشوه ولخياراتها تحت ضغط إحتياج الحب والأمان.
⸻
الخاتمة
المسلسل ليس مجرد دراما أو رومانسيات، بل رحلة في أعماق النفس البشرية: الحب والنرجسية، السيطرة والضعف، الألم والحنان.
كل كلمة، كل تصرف، وكل مشهد بين مروة وصلاح، وكل تدخل من المحيطين بهما، درس في التعرف على الأنماط السامة، والوعي بما هو حب حقيقي وما هو مجرد مرآة للألم والسلطة.
يبقى السؤال مفتوحًا لكل مشاهد:
هل يمكن للحب أن يكون حرًا، بينما الشوك يحيط بالورد،وطعم الشوكلاتة بمرارة الصبار، والروح محاصرة بالخيانة والإهانة والسيطرة؟
بقلم :
د. رشا كرم
أستشاري صحة نفسية وإرشاد أسري


ما هذه الرؤية الرائعة
ردحذفمن اجمل ما قرات في التحليل النفسي للشخصيات النرجسية
ردحذفتحليل عميق للبعد النفسى للشخصيات مع سرد و لا أروع للأحداث و تأثيرها على الشخصيات احسنت د/ رشا
ردحذفإرسال تعليق