لكننا سرعان ما نكتشف اننا أمام تراجيديا قاسية تفجر صدمة إنسانية مرعبة ، وهي انتحار عاملة الكوافير في ظروف غامضة حيث تتعرض لانفجار نفسي شديد .
وهنا يقف الجميع عند مفترق طرق حائرين باحثين عن الذات ، ومستجمعين القدرة على الفعل ، وتتفتح كل الملفات الشائكة حول حياة النساء في الكوافير٠
وتسيطر الرمزية على مجريات العمل فقد تدفع الرغبة في التجميل او الدفاع عن المصالح بعض البشر إلى التغاضي عن شروخ الروح وتدمير القيم بل وانهيار العلاقات الإنسانية لكن عند الموت لابد من نقطة نظام .
وبناء عليه يعرض السيناريو خطوط درامية متوازية في زمن ومكان واحد لاربع شخصيات تجمعهن علاقات قوية مع الفتاة المنتحرة كاشفا عن تناقضات كثيرة، في حياتهن من خلال المراوحة بين الماضي والحاضر، فهن يمثلن ايضا نوعا اخر من الانتحار المعنوي حيث يضحين بكل شيء حتى تبدو الروح مشوهة فاقدة لتوازنها مفارقة لمعناها.
وذلك عن طريق أسلوب سينمائي جديد في الكتابة، لا يقول كل شيء ، ولا يسير وفق حبكة تقليدية، وانما يجعل المشاهد مدفوعا لجمع المعلومات ، وكأنه محقق جنائي، ليدرك حجم الكارثة الإنسانية والاجتماعية.
وتظهر براعته ككاتب سيناريو ايضا في تقديمه لحوار دقيق وصراعات داخلية متزايدة وتوتر درامي مستمر على امتداد الأحداث .
وعلى مستوى التمثيل تتقدم الفنانة صابرين كل الصفوف لتجسد شخصية "مني" الشخصية المحورية في الكوافير ، بل في العمل ككل والتي تظهر في مرحلة عمرية أكبر من سنها مما يعني نوعا من التحدي الفني والذي خاضته ببراعة وإتقان فني حيث كانت أول من اصطدم بجثة صديقتها وأثر ذلك على مشيتها وارتعاش يدها وانحناء ظهرها وظهور ظلال الفاجعة في عينيها فالشخصية كلها عبارة عن انفعالات داخلية.
وقد عبرت صابرين عنها بشحنة إنسانية حارة وطاقة إبداعية هائلة .
لكن اعتقد أن تفوق الفنانة في أدائها يرجع للصدق الشديد والتوازن الدقيق في التمثيل، حيث تنقل لنا احساسها المرعب وضيقها بهذه الأزمة الخانقة مجسدة مرارة الفقد بأروع صورها.
كما تجسد ناهد السباعي شخصية "نهال" المطربة الشعبية وزبونة محل الكوافير حيث يعتمد عليها المخرج محمد العدل في تخفيف حدة الدراما، من خلال خيط كوميدي رفيع برعت في تقديمه ، وجذبت به المشاهدين لمتابعة شخصيتها ، وهي تجسد شخصية جديدة عليها بملامح وتكوين نفسي مغاير لما قدمته من شخصيات من قبل، لدرجة أنها تقدم أغنية بصوتها ، ورغم ذلك أظهرت السباعي أيضا الجانب العميق للشخصية وجسدت تفاصيلها وأعماقها الانسانية.
الا ان مفاجأة العمل هي الفنانة سوسن بدر والتى تظهر بفستان الزفاف الأبيض لتجسد مفارقات وتناقضات الحياة حيث يتغير منطق الأحداث ويتداخل الأبيض بالاسود تبعا لتغير الشخصية ووفق وجهة نظرها.
أما المخرج محمد العدل فيعتمد على دراما قوية وسيناريو كاف لصناعة فيلم جيد ويظهر للمشاهد بوضوح مدى سيطرته كمخرج على موضوعه ، ومهارته أيضا في التركيز على دخائل الشخصيات وانفعالاتها باحساس فني عال وقدرة على رسم المشاهد السينمائية بما يلائم الجو العام للأحداث، بعيدا عن السطحية المفرطة أو الاسفاف المبتذل مما يعني أن حرفية محمد العدل وتمكنه من أدواته كمخرج عندما تتعاون مع مشاعر فنية صادقة وسيناريو جيد ممكن أن تصنع فيلما سينمائيا يعكس رؤية مميزة.


إرسال تعليق