منى فتحى تكتب عن : ديجافو .. هل مانراه حقا هو ما يبدو | مقالات | نجوم المحروسة

في زمن تشبعت فيه الدراما بالأنماط المتكررة، جاءت حكاية ديجافو لتكسر هذا النمط، وتقدم تجربة نفسية مشحونة بالغموض، تدور بين الحقيقة والوهم، وتعيد سؤال الهوية إلى الصدارة من نكون حين تفلت الذاكرة من أيدينا؟

الحكاية لا تُروى كحدث واحد، بل كمتاهة تتكشف طبقة بعد أخرى لتضع المُشاهد داخل رأس البطلة وتشركه في لعبة مرايا مكسورة لا ينجو منها أحد.

الحلقة الأولى: بوابة الشك

تبدأ القصة انقلاب سيارة، زوج بإصابات طفيفة، وزوجة تغيب عن العالم تسعة أشهر كاملة.

عندما تستيقظ، تكتشف أنها بلا ذاكرة

لا اسم، لا ابنة، لا ماض، ولا جذور.

كل شيء يبدو مصطنعًا مرتبًا بعناية أكبر مما يجب.

ثم تقتحم حياتها امرأة تدعي أنها تُدعى ليلى وليست مسك، وتُريها صورًا قديمة لشخص آخر يشبهها، فيصير السؤال الأكبر:من تكون حقًا؟

الحلقتان الثانية والثالثة: تصدعات في جدار الحقيقة

مع كل ذكرى تستعيدها البطلة، يتضح أن ذكرياتها تنتمي لحياتين مختلفتين.

وفي الخلفية تظهر جثة غامضة

يتضاعف الشك، تتكاثر الأسئلة، ويبدأ المشاهد في إدراك أن القصة ليست فقدان ذاكرة بل فقدان حياة كاملة.

الكتابة هنا تُبقي الأوراق كلها قيد الإخفاء.

لا شيء يُقال مباشرة، وكل تفصيلة قابلة لقراءة معاكسة.

الحلقتان الرابعة والخامسة: الأكاذيب تُنتج ظلالًا

يظهر الزوج بصورة أكثر التباسًا

حنان ممزوج بخوف، تفاصيل يعيدها مرارًا، مراقبة لا تنتهي، ومعمل غامض داخل المنزل يتحول إلى علامة استفهام كبرى.

هل يحبها؟

هل يخاف عليها؟

أم يخاف منها؟

أم يخاف من الحقيقة التي قد تهدم عالمه الذي بناه؟

خلال خمس حلقات فقط، صنعت الحكاية عالمًا كاملًا من الشك، ووضعت المشاهد أمام مرآة يتساءل أمامها: ما الذي يمكن للعقل أن يختلقه حين يفقد القدرة على الاحتمال؟

الكتابة: فن المرآة المكسورة

جاءت الكتابة دقيقة في بناء هوية مزدوجة للبطلة، ومحملة بمشاهد متقطعة تعكس تشظي الذاكرة.

السيناريو يتعمد إرباك المتلقي، لا يقدم حقيقة ثابتة، ويترك مساحة لكل مشاهد ليبني نظريته الخاصة.

إنها كتابة نفسية محكمة تعتمد على الشك، لا على التفسير.

الإخراج: لغة الصورة قبل الحوار

المخرج استخدم أدواته ببراعة

زوايا ضيقة للضغط النفسي.

إضاءة باردة تشبه ذاكرة مغبرة.

قطع سريع للمشاهد، يعكس تكسر الهوية داخل عقل البطلة.

منزل يبدو كمتاهة وكأنه شخصية قائمة بذاتها.

الصورة هنا ليست خلفية بل رواية تتحرك.

الموسيقى: البطل الخفي

الموسيقى التصويرية عملت كنبض داخلي للحكاية توتر خافت يتصاعد وصوت غامض يتكرر كأنه ذاكرة تحاول أن تستعيد نفسها.

الموسيقى صنعت الحالة أكثر مما صنعها الحوار.

أداء الممثلين: تمثيل بالعين لا بالكلام

البطلة قدمت أداءً داخليًا قائمًا على التفاصيل الدقيقة ارتباك، خوف مكبوت، صمت محمل بالانهيار.

الزوج كان وجهًا ذا قراءتين

حنان ظاهر وغموض لا تهدأ ارتعاشته.

شخصية لا تعرف هل تطمئن لها أم تخشاها.

كل ممثل مر أمام الكاميرا أضاف طبقة جديدة للغموض، ليترك أثرًا حقيقيًا في بناء العالم النفسي للحكاية.

العمق النفسي: من نكون حين نفقد ذاكرتنا؟

ديجافو طرحت أسئلة وجودية

هل الذاكرة هي التي تصنع الإنسان؟

أم الحب هو الذي يحدد حياتنا؟

كيف يتحول الحزن إلى هوس؟

وهل يمكن للإنسان أن يخلق واقعًا بديلًا هربًا من الألم؟

الحكاية لا تقدم إجابات جاهزة، لكنها تتركك أمام مرآة ذاتك.

كلمة تقدير للصُناع

شكرًا من القلب لكل من شارك في هذه التجربة:

شيري عادي 

احمد الرفاعي 

نادر جودة

عمرو وهبه

هند عبد الحليم 

تأليف نسمة سمير 

أخراج محمد خضر 

إنتاج كريم أبو ذكري 

ولكل فريق العمل الذي أعاد للدراما معناها الحقيقي.

هذا العمل لم يُخلق صدفة

بل بإيمان، وجهد، وصدق فني نادر

ديجافو عمل لا يُشاهد فقط

بل يُعاش، ويُفكر فيه، ويترك أثرًا في سؤال واحد: هل ما نراه حقًا هو ما يبدو؟

اضف تعليق

أحدث أقدم

تحديثات