السعيد منسى : قدمت "الحب فى زمن الكوليرا" لاستعادة قيمة الحب الحقيقى، واللغة العربية لم تكن عائقاً أمام الجمهور | نجوم المحروسة

الحب فى زمن الكوليرا .. رواية شهيرة أصدرها الكاتب الكولومبي جابريل جارسيا ماركيز باللغة الألمانية لأول مرة عام ١٩٨٥، وتتناول قصة حب بين شاب فقير كان يعمل موظفاً بالتلغراف يقع فى غرام فتاة من طبقة أعلى منه اجتماعياً ومادياً، وترصد الأحداث كيف بدأ الحب فى سن المراهقة وظلت جذوته مشتعلة فى قلبيهما لأكثر من خمسون عاماً، وتفرقهما الأقدار فتتزوج "فيرمينا" من طبيب ينتمى للطبقة الراقية، وخلال تلك الفترة يرصد ماركيز أحداثا كثيرة عاشتها البلاد مثل الحرب الأهلية التى اشتعلت فى منطقة الكاريبى، فى نهاية القرن التاسع عشر، وانتشار وباء الكوليرا .

وقد تمت ترجمة الرواية إلى اللغة الإنجليزية عام ١٩٨٨، وتحولت إلى فيلم سينمائي عام ٢٠٠٧، حتى قرر المخرج المسرحى السعيد منسى مؤخراً تحويل الرواية إلى عرض مسرحى من إنتاج مسرح الطليعة برئاسة المخرج عادل حسان .

الرؤية المسرحية صاغها مينا بباوي، بطولة دينا أحمد، محمد فريد، شمس الشرقاوي، نسمة عادل، دينا السواح، محمد صلاح الدين، محمود البيطار، عصام الدين شرف، أبانوب لطفي، آية خلف، مي السباعي، وفاء عمرو قابيل، تأليف موسيقي وليد الشهاوي، أشعار حامد السحرتي، ديكور مينا رضا، تصميم أزياء مها عبد الرحمن، استعراضات محمد ميزو، ماكياج وفاء محمد، تصميم إضاءة عز حلمي، فيديو مابينج محمد البدري، مخرج منفذ إنجي إسكندر .

وفى هذا الحوار مع المخرج السعيد منسى يكتشف لنا سر اختيار تلك الرواية لتقديمها فى هذا الوقت، كما يحكى عن أبرز الصعوبات التى واجهته خلال فترة الإعداد والبروفات، وكيف تعامل معها وعن الاستقبال الجماهيري والنقدي للعرض ..

حاوره/ كمال سلطان

● ماهو سر اختيارك لرواية "الحب فى زمن الكوليرا" لتقديمها فى هذا الوقت تحديداً؟

●● لأننا بحاجة لاستعادة قيمة الحب الحقيقى، فنحن فى هذه الأيام ابتعدنا تماماً عن قيمة الحب وأصبحت قصص الحب الحالية قائمة على السوشيال ميديا، ولا يحمل أى مشاعر حقيقية، بينما الحب الذى نعرفه نفتقده جداً هذه الأيام، فشعرت أننا بحاجة لاسترجاع ذلك الحب وتلك المشاعر بمفهومها الحقيقى .

● هل وصلك النص بعد إعداده أم أنك اخترت الرواية أولاً؟

●● أنا الذى اخترت الرواية منذ البداية، ثم بدأت فى التفكير فى اسم الكاتب الذى سوف يقوم بالإعداد، والحمد لله استقريت على الكاتب مينا بباوي، وهو كاتب شاب متميز جداً وله أسلوبه الخاص، وبدأنا نعمل على الرواية لفترة طويلة وتمت إعادة الكتابة أكثر من مرة، حتى وصلنا للشكل الذى عرضنا به .

● فكرة "الفلاش باك" تكررت فى عروض أخرى تزامن عرضها مع عرضكم مثل "الحفيد"، و"ليلة القتلة" .. حدثني عن سر اختيارك لهذا الشكل؟

●● فكرة الفلاش باك تم تقديمها فى عروض أخرى قبل سنوات، ففكرة الحكى واسترجاع الأحداث ليست جديدة على المسرح المصرى، وقد اخترنا هذه الفكرة كمحاولة لعمل مدخل جديد لرواية ماركيز، وحتى نُفلت من وضعنا فى مقارنة قاسية مع الرواية، والحمد لله أننا نجحنا فى ذلك، وهذا جعلنا نستعيض عن فكرة السرد الكثير عند ماركيز ببعض مناطق الحكى، حاولنا خلالها الاقتراب من روحه قليلاً، وبصفة عامة أهم شيئ هو كيفية توظيف الفكرة وأنها متوافقة مع نسيج العرض وغير خارجة عنه .

● ألم تتخوف أن تتسبب تلك الفكرة فى خلق نوع من التشتيت للممثل، أو الالتباس لدى المتلقى؟

●● لمست بنفسى تفاعل الجمهور وتأثره بالفكرة والتناول، ومن أعمار سنية مختلفة من أطفال وشباب وسيدات بأن العرض وصل إليهم بشكل جيد جداً، ولم يصادفني حتى الآن من يشكو من تلك الفكرة أو أنها سببت له أى ارتباك خلال المشاهدة، وأنا دائما أحب فى عروضي مداعبة خيال وعقل المتلقى ليكون منتبهاً طوال الوقت لرسائل العرض، ويقوم بالربط بين الشخوص وبين الأحداث، فأنا مثلاً لدى مشهد فى البداية يتحدث عن فكرة رائحة الثوم فى ملابس الطبيب دون أن أفسر الأمر، لنكتشف بعد عدة مشاهد أن السيدة التى يعرفها على زوجته تحب أكل الثوم، فالمتلقى يربط بين المشهدين، وهو أمر يسعد المتلقى ويشعره بأنه مشارك فى الأحداث .

● هناك مشهد بالعرض .. عندما تسقط الوردة من يد "فلورنينو" لحظة افتراقه عن حبيبته، ثم بعد عدة مشاهد يعود لالتقاطها بعد أن يصبح عجوزاً، ما الذى أردت أن تقوله من خلال هذا المشهد؟

●● أردت أن أوجه رسالة بأن الحب لم يمت وأنه ظل باقياً فى قلبه ولم يذبل مع مرور الزمن، وأنه استطاع أن يستعيد حبيبته بعد كل تلك السنوات الطوال .

● معروف عنك أنك تحرص على استطلاع آراء الجمهور كل ليلة، فكيف وجدت انطباعات الجمهور حول العرض؟

●● كل آراء الجماهير كانت مشجعة ومؤيدة للعرض، والاعتراض الوحيد كان على أنه يمكن اختصار بعض مشاهد العرض وتقصير مدته الزمنية وهو أمر يمكننا تلبيته .

● ألم يراودك القلق من أن تكون اللغة العربية عائقاً أمام المتلقى، وسبباً فى احجام الجمهور؟

●● لم أشعر بالقلق أبداً من هذا الأمر، فاللغة العربية هى اللغة الأم وهى اللغة التى تنطق بها جميع الكتب السماوية، وأنا أحب دائماً أن أقدم عروضاً باللغة العربية .

● عندما تحضر لعرض جديد ما هى الجهة التى تستهدفها .. الجمهور أم المهرجانات والجوائز؟

●● عينى على الجمهور، لكن فى فترة ما كنت أضع فكرة الجوائز فى ذهني وأركز عليها،  ومع النضوج وتكرار الأعمال اكتشفت أن القيمة الحقيقية للعمل المسرحى هو الجمهور، فبدون الجمهور يفقد المسرح قيمته ومعناه الحقيقى، حتى لو نلت أهم جائزة فى العالم، والجمهور هو الجائزة الحقيقية والفورية،  فبمجرد النظر إلى أعينهم تعرف ان كنت أجدت أم لا، وأنا من خلال فرحة الجمهور وتأثرهم وإشادتهم أحصل على جائزة كل يوم .

● فى اختياراتك للممثلين نلحظ أنك لا تضع فى ذهنك أن يكون البطل نجم شباك، وإنما تتجه لاختيار ممثلون ذوى طبيعة خاصة، فهل هذا الأمر مقصود من جانبك؟

●● الأمر لدى محكوم بمن هو الذى سيقدم الدور بطريقة جيدة، ومدى حماسه للدور وتمسكه بالفرصة لكى يصل، وفى نفس الوقت يوصل الشخصية للجمهور، وبالتأكيد لدينا ممثلون ونجوم جيدون جداً، ولكن فى النهاية الجمهور هو الذى سوف يحكم على الممثل، فمن الممكن أن يكون نجماً ولا يوفق وينصرف عنه الجمهور، وهناك العديد من التجارب التى تصدى لها فنانين شباب وغير معروفين ونجحوا فى تحقيق النجاح الباهر .

● وهل نجح أبطال عرضك فى تجسيد الأدوار، كما رسمتها لهم؟

●● نجحوا فى ذلك إلى أقصى حد، وأنا دائماً أقول لهم أنتم رزق بعثه الله لى، فقد اجتهدوا جداً فى أدوارهم بل أنهم أضافوا إليها، فكل الممثلين اقترحوا إضافات لأدوارهم ووافقت عليها وكانت إضافات مفيدة جداً للعرض، وساهم وجودهم فى نجاح العرض وإسعاد الجمهور وأنا أيضاً سعدت بهم جميعاً .

● هل تؤمن بفكرة وجود فريق عمل محدد تتعاون معه دائماً، أم أن كل عرض ينادى صناعه؟

●● فى فترة من الفترات، كنت أؤمن بفريق عمل ثابت، ولكن كان يجب أن يحدث تغيير الصالحة ولصالحهم، فهم فى حاجة للتعاون مع مخرج جديد يستفز أفكار جديدة منهم، وأنا فى حاجة لعناصر جديدة استفزني ويحدث خلافات فكرية، يساعدونا خلالها على اكتشاف مناطق جديدة بداخلي، وأقدم معهم صورة جديدة ومختلفة، لم أقدمها من قبل، وقد حدث ذلك مع الأساتذة الذين أتعامل معهم لأول مرة مثل د. وليد الشهاوى والأستاذة مها عبد الرحمن والفنان عز حلمى وميزة ومينا بباوي ومنيا رضا ووفاء محمد وانجى اسكندر جميعهم كانوا إضافات كبيرة وهامة للعرض ولى شخصياً .

● هناك عدد من المخرجين الذين يلتزمون بشكل ثابت للعرض منذ الليلة الأولى لا يضيفون ولا يحذفون شيئاً، فهل النوم بهذا الأسلوب فى عروضك المسرحية؟

●● لأ .. أنا أطور فى العرض دائماً، واستمع لآراء الجمهور، وانتقاداتهم للعرض، وأعمل دائماً على الإضافة والتطوير والحذف إذا لزم الأمر، والفن تطور وابتكار، وليس جمود على شكل واحد .

● تحرص دائماً على المشاركة فى المهرجانات ونجحت فى حصد جوائز من قبل، إلى أى مدى ساهمت المهرجانات الدولية فى تغيير شكل الصورة فى المسرح المصرى؟

●● أى حراك فنى يضيف إلى خشبة المسرح، مجرد وجود مجموعة من الناس تحضر لمشاهدة عرض مسرحى هو مكسب للمسرح المصرى، وجود المهرجانات والإقبال الجماهيري على عروضها هو مكسب للمسرح المصرى، أيا كانت السلبيات والإيجابيات، لكن وجود جمهور فى المسرح هو مكسب للمسرح .

● بصفة عامة .. ما هى أبرز المشكلات والعقبات التى تواجهك عندما تجهز لمشروع جديد وكيف تتغلب عليها؟

●● أتغلب عليها بتفرغي للإخراج والتركيز فيه، والحقيقة أن الإدارة فى مسرح الطليعة كانت داعمة جداً للعرض، لكن يحدث أحياناً عقبات خارجة عن إرادتنا جميعاً، فقد بدأنا البروفات قبل شهر رمضان، ويحدث أحياناً أن ينشغل ممثل بعمل تلفزيونى، فيعتذر عن العرض بسبب مواعيد التصوير، فأضطر للبحث عن ممثل آخر، وهناك ممثل اعتذر عن العرض قبل الافتتاح بأسبوع واحد، ويعتبر بطل للعرض، ورشحت بدلاً منه الممثل محمد فريد الذى نجح فى حفظ دوره والبروفات خلال اسبوع، والممثل الذى جسد دور "أوربينو" جاء قبل العرض بعشرة أيام، لذلك فأنا لا أبالغ حين أصف هؤلاء الممثلون بأنهم "رزق" .

● طول مدة البروفات هل يكون فى صالح العرض أم ضده؟

●● لأ طبعاً، ضده .. فأنا أرى الا تزيد التحضير والبروفات عن ثلاثة اشهر، نكون خلالها قد أنجزنا كل شيئ، لكن طول مدة البروفات يقشعر الممثل بحالة من الملل، فالممثل فى البداية يقرأ دوره، فلو أننا لم ننتقل أحلى مرحلة أخرى فسوف يمل ويفكر فى الانسحاب، فأى عنصر جديد يضيف إلى الممثل مثل الموسيقى، والاستعراضات، وعندما يتم تركيب الديكور يحدث تغيير شامل فى الحركة و"الميزانسين"، بعدها يتم إجراء من ١٠ إلى ١٥ بروفة جنرال ويكون العرض جاهزاً للافتتاح .

● ما هى أبرز المحطات التى أعتز بها فى مشوارك المسرحى؟

●● عرض "القروش الثلاثة" الذى نلت عنه جائزة المهرجان القومى عام ٢٠١٦، وعرض "العمى" من إنتاج هيئة قصور الثقافة وشاركت به فى المهرجان التجريبية العالم الماضى، وحدثنا عنه شهادة تميز فى السينوغرافيا، كما أعتز بالعروض التى قدمتها فى بدايته للمسرح الجامعي مثل عرض "البيت الذى شيده سويفت" عام ٢٠٠٦ والذى نلت عنه أكثر من جائزة وشاركت به فى أول دورة من المهرجان القومى للمسرح وسافرت به للمغرب وكان دفعة قوية لى الملائكة لبذل مزيد من الجهد والعرق فى حب المسرح .






اضف تعليق

أحدث أقدم

تحديثات