الشيخ القاسمي و الكتاب | بقلم الإعلامى د. حسام فاروق | مقالات | نجوم المحروسة

[قديما قالوا لنا "الكتاب خير صديق", وما تقدمت أمة وعلا شأنها إلا  لإدراكها المبكر بأهمية الكتاب, كونه وعاء للعلم والمعرفة والثقافة والآداب والفنون، ذلك لأنّ تاريخ العالم وحضاراته لا يمكن أن تنتقل من جيلٍ إلى جيل إلّا بالكتاب، و هنا  أود أن أتحدث عن تجربة عربية شديدة الخصوصية مع الكتاب, فعندما تصبح الثقافة بشكل عام, والكتاب بشكل خاص مشروع حاكم وتوجه إمارة, فإن التجربة بكل تأكيد ستكتسب ثراء معرفيا يتناقله الناس من جيل إلى جيل, أتحدث هنا عن تجربة إمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة مع الثقافة عموما والكتاب بصفة خاصة وهي التجربة التي أسسها و أرسى دعائمها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة,عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية المتحدة, فقد جسدت مكانة الكتاب في فكره بعدا آخر طيلة نصف قرن من الزمان،حيث أولاه اهتماماً لا مثيل له؛ واعتبره أول لبنة في بناء الإنسان وإعداده؛ ليكون مؤهلا لتأدية واجباته وتحقيق طموحاته، و رأى أنه حتى يكون الإنسان شريكاً فاعلاً ومتقاعلاً في مجتمعه, فعليه بالقراءة والكتاب, لان الآخير يبني الإنسان, ولأن أي بناء يحتاج إلى هوية تميزة؛ فقد اختار الشيخ الدكتور سلطان  القاسمي للشارقة الهوية الثقافية, التي تميزها, وتحولت أفكاره الثقافية الكبيرة إلى مشاريع عظيمة وسنذكر هنا واحدا منها, هو معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي يستعد لعقد دورته الحادية والأربعين، وسط احتفاء دولي بعد حصوله  في الدورة السابقة على لقب أكبر معرض للكتاب في العالم من حيث  مستوى بيع وشراء حقوق النشر لعام 2021، متفوقا على معارض كتب دولية يزيد عمرها على مئات الأعوام.

[يعدّ معرض الشارقة للكتاب أحد الأعمدة الثقافية الراكزة التي استند عليها مشروع الشيخ سلطان القاسمي الثقافي، فهو مشروع انطلق من الشارقة والإمارات، ليمتد صداه وإشعاعه إلى العالم، ولأن الشيخ القاسمي يعرف أن البطل في هذا الحدث هو دائما الكتاب, وجه كل الدعم للجهات والمؤسسات الثقافية التي تهتم بالكتاب وتسويقه وترعى الفعاليات والأنشطة في هذا المجال؛ وحرص، على دعم الكتاب في مختلف المجالات الثقافية والفكرية والأدبية، خاصة فيما يتعلق باللغة العربية والتراث؛ باعتباره مكوناً رئيساً من مكونات الشخصية الإماراتية؛ سواء على مستوى الهوية الوطنية أو الثقافية، و اكم من مبادرات أطلقها الشيخ القاسمي على مدار سنوات داعياً فيها إلى صون التراث وحفظ العادات والتقاليد والقيم، وتوصيلها إلى الأجيال الجديدة؛ لتعريفهم بتاريخهم وموروثهم الثقافي والحضاري.

[الحق يقال أن اهتمام الشيخ القاسمي بالكتاب أخذ الطابع العالمي فما من مكان يحتاج فيه الكتاب إلى دعم, إلا وجدنا الشيخ القاسمي حاضرا في المشهد داعما ومساندا بمختلف صور الدعم المالي والعيني , فعلى سبيل المثال لم ينس له المصريون أنه وجّه برعاية الكتب والمخطوطات التي طالها حريق المجمع العلمي المصري، في 17 ديسمبر 2011, وتعهد بترميم المجمع العلمي على نفقته الخاصة، كما قدم مجموعة كبيرة نادرة من المخطوطات الأصلية والمجلدات والكتب والموسوعات النادرة، والخرائط التي يزيد عدد عناوينها على 4000 عنوان، من مقتنياته الشخصية النادرة والنفيسة؛ إهداء للمجمع العلمي المصري؛ لإعادة تعمير المكتبة التي احترقت, إلى جانب تبرعه بنسخ نادرة من المخطوطات لدار الوثائق المصرية، مثل المجلة الدورية التي تعود إلى عام 1860م، وكتاب وصف مصر، حباً وعرفاناً لمصر التي درس بها, وهنا أيضا نذكر أن له أياد بيضاء في دعم بعض منشآت جامعة القاهرة.

[عودة إلى معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي أوجد لنفسه مكانا مرموقا في السوق الدولية للكتاب,عقب سلسلة من الاحتفاءات العالمية حلت فيها هيئة الشارقة للكتاب المنظمة للمعرض كضيف شرف على العديد من معارض الكتاب في العالم, فتواجدت مؤخرا في معرض مدينة بولونيا الإيطالية لكتاب الطفل و معارض " باريس " و" نيودلهي " و" ساو باولو " و" تورينو " وغيرها من المعارض العالمية. 

[لم يكن للشارقة أن تتبوأ هذه المكانة في دنيا الثقافة العربية و أن تمتلك ما امتلكته من تجربة وبنية تحتية بين عواصم الكتاب العالمية, لو لم يكن هناك حاكم حكيم  اعتبر الكتاب مشروعه و وضع رؤيته الثاقبة التي جعلت من الثقافة طابعاً مميزا للإمارة, مكنتها من تحقيق الريادة في خدمة الثقافة المحلية والعالمية على مستوى صناعة الكتاب عامةً, لتكون محل احتفاء العالم وواحدة من عواصم الثقافة العالمية.

[استثمرت إمارة الشارقة في مجتمع المعرفة ووفرت له كافة المقومات والإمكانات، التي تساعد في إنشاء المكتبات ودور النشر؛ بهدف توفير الكتب والمؤلفات وإتاحتها للجميع، فضلاً عن ترسيخ ثقافة تعزيز القراءة لدى أفراد المجتمع لبناء وعي الفرد, و إتاحة فعل القراءة للجميع  عبر شراء كميات كبيرة من الكتب؛ وإهدائها للمكتبات والمؤسسات الحكومية في الإمارة ، وينبغي تأمل تجربتها في الاهتمام بالمكتبات العامة المنتشرة في مدن الإمارة وخطوات إمدادها بأحدث الإصدارات في مختلف صنوف المعرفة, كما تجدر الإشارة إلى المبادرات التي يطلقها و يرعاها دائما الشيخ القاسمي لتشجيع الشباب على التأليف والإبداع في شتى مجالات العلوم و الفنون والآداب، حيث دعم دور النشر لطباعة إنتاجهم الأدبي؛ لما للكتاب من  أدوار وقيم عالية في تنمية الإنسان وصياغة فكره ووجدانه، وتأثيره في صنع مجتمع المعرفة والارتقاء بالفكر الإنساني, لتعزيز مساهمته في مشروع الإمارة الحضاري الشامل.

[لأن التجربة كما قلنا وصلت لنصف قرن من الزمان فأصبح من السهل الآن أن تلاحظ كيف تعود الناس في الشارقة على طلب العلم واكتساب المعرفة, ويكفى مثلا أن تعرف أن معرض الشارقة الدولي للكتاب أصبح مزارا عائليا تنتظره الأسر الإماراتيه بشغف, و كل فرد قد أعد قائمة بأسماء الكتب التي يريد شراءها, هكذا أحب صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد  القاسمي الكتاب, و زرع حبه في نفوس أهل الشارقة و باقي الإمارات و امتد  إلى العديد من البلدان العربية .

اضف تعليق

أحدث أقدم

تحديثات