الناقد الكبير مجدى الطيب يكتب عن "هاملت بالمقلوب": «هاملت».. ليه ؟

من باب حب الاستطلاع، ذهبت إلى مسرح السلام لأشاهد ليلة العرض الأخيرة لمسرحية «هاملت بالمقلوب»؛ فقد لبيت فورآ، ومن دون تردد، دعوة المخرج الصديق مازن الغرباوي، الذي أراهن، منذ سنوات، على أنه سيحتل مكانة متميزة بين مخرجي المسرح المصري، لكنني سألت نفسي : "ماالجديد الذي يمكن أن أراه في مسرحية مأخوذة عن نص كتبه وليام شكسبير بين عامي 1600 و1602 ؟ ولماذا تُقدم في الوقت الراهن؟".

  لا يعني هذا أنني ذهبت لأشاهدها من باب المجاملة، لكنني. والحق يُقال، كنت أبحث عن إجابة لسؤالي، والمثير أن المسرحية، التي لم يستغرق عرضها أكثر من ساعة وربع الساعة تقريباً، ردت على كل ما عن لي من خواطر؛ فالكاتب 

د. سامح مهران لم يكتف بترجمة أفكار "شكسبير"، ويُقارب غوصه في أعماق النفس البشرية، مثلما لم يرصد ما جرى في الدنمارك، من خلال مأساة الأمير الدنماركي، الذي يرتاب في أمه، التي تزوجت من عمه، بعد شهر واحد من وفاة أبيه، لكنه، أي "مهران"، ألبس المسرحية الكلاسيكية حلة عصرية، وكأن "هاملت" يعيش بيننا، وأن مس الجنون الذي أصابه هو نتاج أمراض العصر؛ كالفتن، والشائعات، وإزاحة الخصوم من أجل الوصول للحكم، والتحالف المشبوه بين المهيمنين على السلطة ورجال الدين، والسوشيال ميديا، وما ترتكبه من جرائم أقلها وطأة إلصاق التهم، بالدرجة التي تجعل "هاملت" مُتهم بالتحرش !

  قد يخرج من يقول إن روايات "شكسبير" جميعها، و"هاملت"علي رأسها، متعددة القراءات، ومهيأة دائماً للاجتهادات، وإعادة التأويلات، لكن أهم ما يميز تجربة «هاملت بالمقلوب» أن المتابع لأحداثها يستشعر أنها ترصد واقعه الآني / المعاصر، وهي "التوليفة" التي نجح المخرج مازن الغرباوي في الوصول إليها؛ فالجدة والابتكار والتجديد والإبهار عناصر ميزت التجربة بأكملها، وليست المعالجة، وطريقة التناول، فحسب؛ سواء على صعيد النزعة التشكيلية (التكوينات الحركية، الديكور، الملابس وألوانها وتوظيف عمق خشبة المسرح ومقدمتها) والتعبير الدرامي بالإضاءة (الأشباح والهلاوس وجماجم الموتى) والماكياج (هاملت كأنه زومبي)، وإن تمنيت اهتماماً أكبر بشخصية شبح والد هاملت، وتوظيف حماسة خالد الصاوي بشكل أكبر؛ خصوصاً أن تقنية الهولوجرام، لم تضف للتجربة كثيراً بعكس الاستعانة بوجوه شابة واعدة من شباب المعاهد الفنية والمسرح الجامعي؛ على رأسهم : سمر جابر، التي جسدت، باقتدار، شخصية "أوفيليا"، ووضح أنها تمتلك "كاريزما"، وصاحبة حضور، فضلاً عن أدائها القوي، وهو ما ميز أداء المخضرمين : خالد محمود، في دور القس "بولونيوس"، وأيمن الشيوي، في دور العم "كولوديوس"، وعمرو القاضي، في دور "هاملت"، باستثناء بعض لحظات اعتراها خلل في أجهزة الصوت.  









اضف تعليق

أحدث أقدم

تحديثات