مسلسل "الاختيار 3" يضع قاسم سليماني والحرس الثوري على مسرح الدراما السياسية | بقلم: د. محمد محسن أبو النور


1ـ دشَّنَ مسلسل الاختيار3 مساحة جديدة في تاريخ الأعمال الدرامية السياسية العربية؛ إذ يؤرخ لأحداث قريبة ما يزال أغلب أبطالها على قيد الحياة بمزيج من المقاطع الحية المسجلة بالصوت والصورة مع تفاصيل كواليس ما دار في الغرف المغلقة بين أبطال تلك الوقائع التاريخية وصناعها.

2ـ ففي هذا المسلسل المهم، الذي تعد مشاهدته ضرورة تحليلية لكل طلاب ودارسي العلوم الاجتماعية المصرية والمعنيين بالشأن العام، الكثير من الأحداث المعروفة للجميع، لكن أهم ما فيه هو الأحداث المذكورة ضمنيا والتي لا يعرف الجميع تفاصيلها؛ إذ لم يُكشَف النقاب عنها بالكامل حتى وقت كتابة تلك السطور.

3ـ من ضمن هذه الأحداث التي مر عليها المسلسل ضمنيا هو مشهد شديد الدلالة يذهب فيه رجل المخابرات (أحمد عز) إلى ورشة ميكانيكا سيارات تعد مكانا آمنا لأحد عناصر رجال المخابرات الذي يقوم بدوره بتتبع بعض العناصر الخارجية التي جاءت إلى مصر للقيام بأعمال من شأنها الإضرار الفادح بالأمن القومي المصري وزعزعة الاستقرار في هذا الوطن.

4ـ وقد أعطى عنصر المخابرات مديره في العمل (أحمد عز) مظروفا يتضمن تفاصيل الاجتماعات التي رصدها وفيها يلتقي قيادات الإخوان بعناصر أجنبية بهدف تكوين ميليشيات مسلحة تلقت تدريبها في سوريا وهي جاهزة للعمل في مصر على أن تبدأ عملها فورا وتكون مهمة هذه الميليشيات الحلول التدريجي محل أجهزة الأمن المصرية المتمثلة في الداخلية والمخابرات والجيش.

5ـ فما كان من أحمد عز (ضابط المخابرات العامة) إلا أن أخبره بتحليله على الفور، وقال له بالحرف الواحد: "كده هما عاوزين يعملوا حرس ثوري".

6ـ يتضح من خلال منطوق السيناريو أن هذا الضابط لديه خبرة في الشؤون الإيرانية؛ لأن هذا المخطط هو بالضبط ما تم في إيران في بداءة العام 1979 حين أمر الخميني مرشد الثورة باستقدام الطلاب من الجامعات والمزارعين من الحقول والحرفيين من الورش وتسليمهم السلاح وتلقينهم دورات تدريبية سريعة لتولي المهام الأمنية في البلاد بدلا من قوى الأمن الداخلي والقوات المسلحة.

7ـ وقد قام بهذه المهمة أول وزير دفاع بعد الثورة، الجنرال، مصطفى تشمران، الذي كان قد تلقى تدريبه الاستخباراتي هنا في القاهرة على يد رجال المخابرات العامة المصرية وتلقى تدريبه العملياتي في محافظة الشرقية وتحديدا في معسكر أنشاص التابع لقوات الصاعقة المصرية.

(لمزيد من التفاصيل في هذه النقطة ينظر كتاب: عبد الناصر وثورة إيران لوكيل المخابرات العامة اللواء فتحي الديب، وكتاب: مدافع آية الله، محمد حسنين هيكل).

8ـ  وفي هذه الأثناء كانت إيران قد اتفقت مع حكومة الإخوان برئاسة، محمد مرسي، على تسيير رحلات سياحية من إيران إلى مصر بهدف زيارة مساجد آل البيت، لكن مفاجأة قد حدثت إذ رصدت أجهزة الدولة القوية قدوم الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، وهو الفيلق الخاص بمؤسسة الحرس الثوري الإيراني المسؤول حصرا عن كل العمليات الخارجية لإيران.


9ـ حضر سليماني إلى القاهرة منتحلا شخصية تاجر حاملا جواز سفر مزورا، بأوامر مباشرة من سيده المرشد الأعلى لبلاده علي خامنئي، والتقى قيادات إخوانية على رأسها خيرت الشاطر في منازل إخوانية آمنة في مدينة نصر والتجمع الخامس، وسافر مع بعضهم إلى محافظة الأقصر جنوبي مصر، وكان الهدف من اللقاءات هو إعادة الخبرة الإيرانية المتمثلة في إنشاء قوات حرس ثوري للإبقاء على نظام جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

10ـ ونصح سليماني خيرت الشاطر بالإسراع في تأسيس قوات موازية للجيش والشرطة تكون مكونة من طلاب كليات الحقوق والتربية الرياضية يتم تدريبهم على يد اللواء عماد حسين (تشابه أسماء مع الكاتب الصحفي عماد حسين رئيس تحرير جريدة الشروق) الذي كان في ذلك الوقت ذراع جماعة الإخوان في وزارة الداخلية، وعينه محمد مرسي مستشارا أمنيا لرئيس الجمهورية.

11ـ حتى تلك اللحظة ظن قاسم سليماني أنه يجلس مرتاحا كما يصول ويجول في سوريا أو اليمن أو العراق أو لبنان، ولم يخطر بباله لحظة واحدة ما تم في هذه الساعة العصيبة، فقد تلقى اتصالا على هاتفه (لم يكن قاسم سليماني يستخدم هاتف أندرويد أو آيفون لزيادة أمنه الشخصي) ووجد شخصا يتحدث معه بالفارسية بلهجة مصرية وطلب منه أن ينظر إلى صندوق الرسائل SMS بهاتفه البلاكبيري الرخيص.

12ـ فتح قاسم سليماني الرسائل فوجد رصدا لحظيا بكل تحركاته متضمنة تسجيلات فيديو وأوديو فيها تفاصيل كل ما دار بينه وبين خيرت الشاطر وقيادات الجناح المتطرف من الجماعة في القاهرة وفي محافظة الأقصر.

13ـ ثم عاد الرقم المصري واتصل بقاسم سليماني مرة ثانية وقال له كلمات معدودات: "غادر مصر فورا ولا تدخلها مرة أخرى، وإلا لن ترى إيران أبدا".

14ـ وقعت الرهبة في قلب قاسم سليماني وبدت غضاريف ركبتيه لا تقويان على حمله، واهتز العصب السمبثاوى في جسده بالكامل، وأخبر خيرت الشاطر بما دار في الهاتف، وعلى الفور جمع رجاله وغادر مصر ولم يدخلها حتى تمت تصفيته في يناير 2020 بالعراق في غارة أمريكية شهيرة، وكانت هذه أخطر ساعة في تاريخ العلاقات المصرية ــ الإيرانية .

اضف تعليق

أحدث أقدم

تحديثات