أمال عثمان تكتب: نظام التفاهة.. وصناعة التافهين !! (1) | مقالات | أخبار المحروسة

الصدفة وحدها أوقعتني منذ شهور أمام هذا الكتاب، ومن يومها لم أفلح في الإفلات من وقع تأثيره على أفكاري، والعودة المتكررة إلى صفحاته، حتى وصلتني رسالة من صديق تشير إلى انتشار لوحات تعبيرية مؤخراً في أوروبا وأمريكا وكندا مكتوب عليها: توقفوا عن جعل الأغبياء مشاهير !! 

وهذا ما دفعني للحديث هنا عن كتاب "نظام التفاهة" الذي لم يفارقني منذ شهور، تأليف "آلان دونو" أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامعة كيبيك الكندية، والكتاب يلقي الضوء على بقع مظلمة من العقل، ويكشف عن مرحلة تاريخية غير مسبوقة يعيشها العالم، تستشري فيها التفاهة والسطحية، ويتوارى العقل النقدي، ويعلو فيها صخب الرداءة والانحطاط فوق كل الأصوات، مرحلة تهيمن عليها شريحة من التافهين والجاهلين، ويهيمن عليها وهم ما يسمي بــ "الكاريزما"، وتهمش فيها منظومة الفكر والقيم، ويخفت صُداح الجودة والأداء الرفيع، وتزدهر الأذواق المنحطة والفن الرخيص . 

وتلك الظاهرة التي برزت منذ تسعينيات القرن الماضي، أدت إلى إسباغ التفاهة على كل شيء، وغرق المجتمعات الحديثة في الهزل والتفاهة والرداءة وفقدان القيمة، وتبوأ فيها التافهون مواقع السلطة، حتى صارت التفاهة نظاماً مكيناً، يضرب بجذوره في تربة المجتمعات، بمنهجية واستقرار مرعبين، وتكمن الخطورة الحقيقية في كون هذه المهمة سهلة وممكنة التحقق بسلاسة .  

ويحمل الكاتب الإعلام مسئولية نشر التفاهة بشكل سريع، أدى تدريجياً إلى سيطرة الأشخاص التافهين، والترويج لهم ولتفاهاتهم، وتحويلهم لشخصيات مرموقة يحلق حولها التافهون، فالسياسي أو الفنان التافه يحيط نفسه بمجموعة من التافهين للإعلاء من شأنه، ليكون الأرقى تفاهة بينهم، وليتواطأوا مع تفاهته أيضاً، ويقسِّم الكاتب "آلان دونو" الشخصيات الموجودة في نظام التفاهة إلى خمسة أنواع، الأول "الكسير" الذي يرفض النظام بالانسحاب لا بالتعبير عن رفضه، والثاني "الشخص التافه بطبيعته"، وهو شخص يصدق نظام التفاهة، والثالث "المتعصب" الباحث عن مكانة عالية ضمن هذا النظام، ويعتبر كل تهديد لنظام التفاهة تهديداً له، والرابع "التافه رغماً عنه" وهو شخص مجبر، تسخره الواجبات لخدمة نظام التفاهة لإعالة أبنائه، وبلوغ مواقع اجتماعية عالية، وأخيراً "الطائش" المنتقد لهذا النظام وهو في الحقيقة يعمل به ويتعايش معه!!

.. وللحديث بقية... 

نقلاً عن جريدة 📰 أخبار اليوم

اضف تعليق

أحدث أقدم

تحديثات