📸: عيد خليل على خشبة مسرح البالون ومن انتاج قطاع الفنون الشعبية
والاستعراضية يعيد المخرج عادل عبده تقديم رواية "زقاق المدق" برؤية غنائية استعراضية أعدها
درامياً وصاغها شعرياً الكاتب محمد الصواف الذى أكد أن الرواية اجتذبته لتقديمها
فى إطار موسيقى غنائى، وأشار إلى حرصه على اعتماده على ما كتبه محفوظ فى روايته
وابتعد تماماً عن كل الأعمال الفنية التى سبق تقديمها فى السينما والمسرح، مؤكداً
حرصه على المحافظة على الخطوط الرئيسية للرواية مع الإسقاط على التحولات التى
شهدها المجتمع المصرى خلال السنوات الماضية .
ومما لا شك فيه أن النجاح الكبير الذى حققه العرض
بالاسكندرية ويحققه حالياً بالقاهرة لهو خير دليل على أن المخرج عادل عبده قد نجح
فى تقديم صورة مبهرة جعلت الجمهور يبتعد تماماً عن عقد أية مقارنات بين الفيلم
السينمائى وبين العرض المسرحى الذى يراه، كما أننا نستطيع أن نستشعر الجهد الكبير
الذى بذله المخرج ليقدم لنا أبطال العرض بصورة مختلفة تماماً عن صورتهم المنطبعة فى
أذهاننا، فعلى الرغم من نجاح بطلة العرض الفنانة دنيا عبد العزيز فى تقديم العديد
من الأدوار المتنوعة إلا أنها بتجسيد دور "حميدة" تكتب شهادة ميلاد فنية
جديدة وتسطر لنفسها تاريخاً يخلدها كإحدى نجمات فن الاستعراض الكبار، ولا أبالغ حين أقول
أنها نجحت من خلال هذا الدور أن تملأ الفراغ الذى تركته النجمة
"شيريهان" فى المسرح الاستعراضي، كما نجحت فى الإفلات من المقارنة
بالفنانة الكبيرة شادية وهو الأمر الذى كانت دنيا حريصة عليه منذ البداية حين أكدت
أن عقد أى مقارنات بينها وبين شادية منتهى الظلم وأضافت أن العرض مكتوب بطريقة
مختلفة وممتعة وهو ما تلمسه من خلال ردود أفعال الجمهور، ويجسد الفنان مجدى فكرى
شخصية "فرج" الذى يستغل طموح حميدة الجامح ويخدعها باسم الحب لتوافق على
الهروب معه وتسقط فى شباكه حيث تعمل بالكباريه الذى يملكه، وقد نجح فكرى فى تجسيد
الدور ببراعة وعبر عن تحولات الشخصية فى النصف الأول من العرض، والتى اختلفت
تماماً خلال النصف الثانى الذى كشف خلاله عن الوجه القبيح للشخصية الذى لا يتورع
عن ارتكاب جميع الموبقات من أجل المال، ومن المؤكد أن مجدى فكرى قد نجح فى تقديم
الدور بصورة مغايرة عن الفنان القدير يوسف شعبان وأكد فى تصريخ خاص أنه لا يستطيع
أن يضع نفسه فى مقارنة مع الفنان الكبير والذى تعاون معه فى مسلسل
"الوتد" وجسد شخصية شقيقه الأكبر.
أما عن الفنان الذى يعيد المخرج عادل
عبده اكتشافه أيضا فى هذا العرض فهو الفنان الشاب كريم الحسينى الذى جسد دور
"حسين كرشة" شقيق حميدة فى الرضاعة فقد استطاع أن يقدم نفسه للجمهور
كفنان شامل يغنى ويرقص ويمثل ونجح أيضا فى انتزاع ضحكات الجمهور خلال العرض، وبذل
جهداً كبيراً فى الابتعاد عن التشبه بأي فنان من نجوم فن الاستعراض وصنع لنفسه
شكلاً مغايراً ومختلفاً، سيضعه فى مصاف النجوم الذين يمكن الاعتماد عليهم فى فن
الاستعراض خلال السنوات القادمة، ولعب الفنان بهاء ثروت دور "عباس
الحلو" الحلاق الذى يقع فى غرام حميدة ويخطبها ويسافر للعمل مع الانجليز
ليستطيع اتمام زواجه منها، وجسدت الفنانة بثينة رشوان شخصية "أم حميدة"
الخاطبة بصورة مختلفة تماماً عن الصورة التى اعتدنا عليها فى أعمالها الدرامية
السابقة وكانت مفاجأة للجمهور وهو يراها ترقص وتغنى خلال العرض، كما جسدت الفنانة
شمس شخصية "شوشو" التى يعتمد عليها فرج فى تدريب حميدة على الانخراط
داخل الكباريه .
نجح الممثل الشاب مراد فكرى فى اضفاء جو من البهجة من
خلال دور "زيطة" الذى يفرض الاتاوات على أهل الحى كما يساعد الدكتور
بوشى الممرض على سرقة أسنان الموتى الذهبية واعادة بيعها مجدداً.
الفنانون الكبار أحمد صادق فى دور "عم كامل"، أداء رصين لفنان كبير ارتبطنا به من خلال الدراما التلفزيونية، ونراه عملاقاً فى هذا العرض، حسان العربى فى دور الدكتور "بوشى"، فنان مسرحى من الطراز الأول صاحب الافيهات المحسوبة بدقة والتى يتجاوب معها الجمهور، عبد الله سعد فى دور "سليم
علوان"، أداء شديد الانضباط، ليس غريباً على دكتور قادم من الأوبرا، سيد جبر فى دور المعلم "كرشة"، أكثر ممثل يمتلك كيمياء خاصة بينه وبين الجمهور الذى يحفظ افيهاته التى صارت ملمحاً من شخصيته على اختلاف الأدوار وخشبات المسرح، مروة نصير فى دور
"حسنية الفرانه"، ابنة الفنون الشعبية التى تألقت وقدمت دوراً شريراً احببناها خلاله، هانى عبد الهادى فى دور "جعدة" دور جديد عليه تماماً أداه بأستاذية كبيرة، وجميعهم كانوا بمثابة
الأعمدة الرئيسية الذين حملوا العرض على أكتافهم بخبرتهم المسرحية الكبيرة .
ديكور محمد الغرباوى نجح فى التنقل بين الحارة والكباريه
وبيت حميدة بصورة مبتكرة اعتماداً على طبيعة خشبة مسرح البالون التى منحته مساحتها
الكبيرة الفرصة للإبداع، موسيقى أحمد محيى وتوزيع ديفيد جميعى تنوعت أيضاً بين الموسيقى
الراقصة فى معظم فترات العرض والموسيقى الرومانسية الهادئة فى احيان أخرى، ونجحت
فى التعبير عن الكلمات التى صاغها الشاعر محمد الصواف، أزياء د. مروة عودة جاءت
معبرة عن البيئة الشعبية التى تنتمى إليها الشخصيات وخاصة أزياء المعلمين الذين
يتمتعون ببعض الثراء مثل سليم علوان والمعلم كرشة.
بقيت الإشادة باللقطات السينمائية للفنان ضياء داود
والتى بذل خلالها جهداً كبيراً ونجد مع المخرج عادل عبده فى أن يشعرونا بأنها
مشاهد حية على خشبة المسرح.
وقد حرص الكاتب محمد الصواف والمخرج عادل عبده على إعادة
الحياة لعباس الحلو الذى قتله محفوظ فى الرواية وإلى حميدة التى قتلها حسن الإمام
فى السينما حتى يخرج الجمهور مبتهجاً بما رآه كما يحسب لهما مشهد عدم قبول عباس
بالعودة إلى حميدة رغم توبتها وندمها وانحيازهما لطبيعة الرجل الشرقى الذى ينتصر
لكرامته على حساب قلبه.
إرسال تعليق